جائزة “بوكر”… والسبق الأدبي!
جائزة “بوكر”… والسبق الأدبي!
الأحد 23/3/2008
هل الأعمال الأدبية التي تُحدث دويّاً في العالم لعربي، تستحق الاهتمام المنصب عليها، أم أنه ضجيج مفتعل؟! هل ما يتردد في أروقة الثقافة حول التشكيك في مصداقية الجوائز العربية، وأنها تغلب عليها المجاملات والشللية، بها شيء من الحقيقة أم أنها افتراءات وتجنّ؟!.
بلا شك أن الكثير من الجوائز العربية في عالمنا العربي مطعون في نزاهتها، وحصول أصحابها عليها ليس معياراً على جودة أعمالهم، وتثبيتا لقيمتها الأدبية، مثلها مثل الكثير من الصور السوداوية التي تخضع للتزييف في مجتمعاتنا العربية! وهناك إعلاميون على مختلف تخصصاتهم، نالوا العديد من الجوائز، وبلغوا أعلى المراتب، وأصبح يُشار إليهم بالبنان رغم محدودية كفاءاتهم، ودونية ما قدموه من أعمال، بسبب سيطرة الشللية وشيوع الواسطة ورواج العلاقات العامة، التي ساهمت في ظهور نجوم ذات بريق زائف!.
لكن هل يعني هذا أن كافة المؤسسات الثقافية لا تهتم بالمعايير الحقيقية عند تقييم نتاج الأديب أو الإعلامي؟! هل يجب وضعها جميعاً في قفص الاتهام دون استثناء؟! من الظلم وضع قائمة المؤسسات في خانة المشبوهين، خاصة وأن هناك عدداً من المؤسسات الثقافية مشهود لها بالنزاهة والشرف، لا تعبأ بالتوصيات التي تطغى عليها المجاملات عند القيام بعملية الترشيح.
ومؤخراً دار جدل واسع حول جائزة “بوكر” للأدب العربي في مجال الرواية، الصادرة عن “مؤسسة الإمارات”، ودار لغط كبير حول الروايات المرشحة داخل اللجنة وخارجها، وشكك البعض في نزاهة اللجنة القائمة على اختيار العمل الأدبي. وقد نُشرت على صفحات الجرائد، وفي المنتديات على شبكة الإنترنت مقالات لأدباء خليجيين يبدون فيها اعتراضهم على الأسماء المرشحة للجائزة كونها لم تتضمن أسماء خليجية، وأن هذا يؤكد على المقولة الرائجة بأن الأديب الخليجي ما يزال غارقاً في بحيرة النفط، لم يرتقِ بعمله الإبداعي إلى مصاف الأعمال الأدبية الصادرة عن الدول العربية الأخرى في قيمتها الفنية العالية!. إضافة إلى اتهام المؤسسة بأنها تحمل في مضامينها “عقدة الخواجا”، نظرا لوجود أسماء بريطانيين في اللجنة واعتقادهم بأنهم لا يلتفتون إلا للأعمال الأدبية، التي تحمل رسائل ضمنية إيجابية للمجتمعات الغربية!.
الصحف السعودية أفردت صفحاتها لعدد من الأدباء والصحافيين الذين تساءلوا عن السبب في عدم وصول اسم روائي أو روائية سعودية للتصفية النهائية رغم الكم الهائل الذي تُخرجه دور النشر العربية يومياً لروايات سعودية!.
مع أنني روائية سعودية إلا أنني أعترف بأن الهوس الدائر في السعودية اليوم، والاندفاع المحموم لكتابة رواية دون أدنى دراية بأدوات العمل الروائي من قريب أو بعيد، ونشر حكاية عاصر صاحبها أحداثها، أو تجربة مر بها، أو كتابة تحقيق صحفي ووضعه في خانة الرواية، ساهمت مجتمعة للأسف في تشويه صورة الأدب السعودي، وأنه طبخة رديئة المذاق بسبب نقص مكوناتها، وقلة بهاراتها!.
الاتهامات الجائرة التي تنال المؤسسات الثقافية من كل حدب وصوب، هل تؤكد انتفاء السبق الأدبي داخل أروقتنا الثقافية، أم أنها قول مبالغ فيه؟! هل الأحداث الواقعة على الأرض، تُثبت خروج الأديب العربي من شرنقة الأدب الغربي الذي قدّم المدارس الإبداعية الخلاقة؟! لقد لفت انتباهي منذ فترة مقال لناقد جزائري، يرى بأن الأدباء العرب إلى اليوم لم يستطيعوا خلق صرعة أدبية جديدة! وأن كافة أعمالهم الأدبية ما زالت متأثرة بمدارس الغرب، وأن وجود المقامة في التراث العربي، لا يعني بأن الأدباء العرب كانوا على دراية بفن الرواية بمفهومها الحديث!.
صحيح أن الأديبين الشهيرين “جابريل جارسيا ماركيز” و”باولو كويليو” اعترفا بتأثير كتاب “ألف ليلة وليلة” في خلق الـ”فانتازيا” السحرية الواقعية في أعمالهم، إلا أن هذا لا يعني بأن الشرق كان له السبق في خلق الإبداعات الأدبية الحديثة، بل إن الكثير من النقاد العرب يرون أن كافة المبدعين العرب الذين اثروا الساحة العربية، تأثروا في بداية حياتهم بالأدب الكلاسيكي الغربي بمن فيهم الأديب النوبلي نجيب محفوظ.
لتَكف أوساطنا الثقافية عن الثرثرة، ففي النهاية التاريخ لن يحتفظ في سجلاته إلا بمن أضاءت حروفه أفضية مجتمعه، والأديب الحقيقي يستنشق بالكتابة دون أن ينتظر سماع دوي تصفيق المتفرجين!.