أين المرأة في يوم الإنسان؟!
أين المرأة في يوم الإنسان؟!
الأحد 16 -12-2007
في العاشر من ديسمبر في كل عام، يحتفل العالم باليوم العالمي لحقوق الإنسان. هذه السنة جاءت على استحياء نتيجة تعاظم قوى الظلم والاستبداد، التي رشقت بسهامها القاتلة الإنسان في كل مكان!.
مع هذا تظل المرأة في واجهة الأخطار، والضحية الأولى التي تدفع أثماناً مضاعفة، لكونها المخلوق المهيض الجناحين الذي تعوّد على مدى قرون طويلة أن يتلقى بجلد الصفعات تلو الصفعات. فنجدها في مناطق القلاقل والصراعات تبكي بحرقة عندما تلفي نفسها تقف وحيدة في مواجهة أعاصير الأيام بعد تشتت أسرتها وفقدان الزوج والولد. ليس هذا فحسب، بل تتعرّض المرأة في ساحات الوغى مع انعدام قاعدة الأخلاق الآدمية، إلى الاغتصاب بهمجية واستخدامها كورقة انتقام تُرمى في وجه مجتمعها لإذلاله وتشويه سمعته!.
في البلدان التي تكثر فيها بؤر التطرّف الديني، تكون المرأة أول من يكتوي بنارها! أقرب مثال على ذلك ما تتعرّض له المرأة العراقية في الوقت الحاضر من ذبح وقتل وتمثيل بجثتها على أيدي الجماعات المسلحة داخل العراق، حيثُ تُجبر النساء والفتيات على وضع غطاء الرأس. وقد حكت لي صديقة عراقية مسيحية الديانة، أن عمتها المقيمة في العراق التي تجاوزت الستين من عمرها، تضطر لارتداء الحجاب عند خروجها من المنزل بعد تهديدات هذه الجماعات بقتل كل من تمشي سافرة في الشارع، دون تمييز بين امرأة مسلمة وامرأة تنتمي لديانة أخرى!.
ارتفعت في مجتمعاتنا العربية خلال العقود الأخيرة حالات العنف الأسري داخل البيوت نتيجة للأوضاع الاقتصادية المتردية. وتفاقمت ظاهرة اغتصاب المحارم مع انتشار المخدرات وقلة الوازع الديني الصحيح، لكن ما زال يُغض النظر عن هذه السلبيات المخجلة بسبب سيطرة التقاليد الاجتماعية الصارمة، التي لا تسمح بالمكاشفة وتوضيح الحقائق على الملأ من جهة، ومن جهة أخرى عدم وجود عقوبات رادعة تُطبّق في حق الرجل المتسبب في هذه الجريمة النكراء!.
كل دول العالم فيها تجاوزات وانتهاكات تستهدف المرأة، لكن البلدان المتحضرة سنّت قوانين صارمة لحمايتها من التمييز الجنسي والعنف الأسري وحوادث الاغتصاب وحالات التحرّش الجنسي في العمل والأماكن العامة.
القوانين الخاصة بحماية المرأة في بلداننا العربية ما زالت هشة باستثناء دول محددة قامت بوضع تشريعات وضعية حازمة للمحافظة على كرامة المرأة. لكن في أغلبية الدول العربية ما زالت هناك الكثير من الملفات العالقة تنتظر حلاً اجتماعيّاً وقانونيّاً عادلاً يُنصف المرأة التي عانت طويلاً من جبروت الرجل وسلطته الذكوريّة!.
أتذكّر في رمضان الفائت، بثّ عدد من القنوات الفضائية مسلسلاً يحمل عنوان “قضية رأي عام” يتحدّث عن مجموعة من السيدات تمّ اغتصابهن على أيدي ثلاثة شبّان وهن عائدات من عملهن ليلاً. يُبيّن المسلسل ما تعرض له هولاء النسوة من ضغوطات نفسية، وفقدان لسمعتهن، وهجوم كاسر من أقرب الناس إليهن نتيجة إصرارهن على أخذ حقهن من الجناة. مما يُبيّن أن المجتمع لا يُصفق للمرأة امتناناً، ولا يُحييها بحرارة إن قامت بفضح أمرها جهاراً في وضح النهار، بل قد تنقلب صورتها وتُصبح هي الجانية وليست الضحية وتُرمى بالحجارة عقاباً لها على جرأتها!.
في كتاب “الحديث عن المرأة والديانات” للكاتب الليبي “الصادق النيهوم” يرى أن ما يجري من ظلم وتدجين للمرأة العربية بالرغم من الإنجازات التي حققتها على المستويين العلمي والثقافي، يعود إلى أن المجتمعات العربية شبّت على ثمرة ثقافة عصر سابق لم تستمد أفكارها من القرآن وتعاليمه التي كرّمت المرأة، وإنما من بقايا الحضارات البربرية عبر قرون طويلة من الجهل والتخلّف وعدم الفهم والنظرة الضيقة حيال المرأة بأنها مخلوق شيطاني وراء كل مصيبة على الأرض! وأن الحل يكمن في خلق ثقافة من نوع آخر تُقدّم أفكاراً أكثر رقيّاً وعدلاً حيال المرأة واحترامها ككائن إنساني.
قال أحد الحكماء يوماً: “إن أحضان النساء لا تحمل الأطفال فقط، بل تحمل الشعوب أيضاً”. وهو ما يعني أن الأثداء التي تُدرُّ لبناً ممزوجاً بالإذلال والحسرة، لن تفلح في تنشئة أجيال سوية خالية من العقد النفسيّة!.