الفساد ولا العار!!
الفساد ولا العار!!
الأحد 20/5/2007
للفنان عادل إمام فيلم جميل اسمه “احترسْ من الخُط”، مليء بالمواقف الكوميدية، وقد تقمَّص فيه “إمام” شخصية قاتل صعيدي في صورة أحبها الجميع. ومنذ أسابيع قليلة نشرت الصحف المصرية تفاصيل مقتل “خُط الصعيد”، وهو لم يكن من صُنع خيال مخرج أو كاتب سيناريو، بل حقيقة واقعة على الأرض، حيثُ كان هذا الرجل شديد الخطورة، عاش الناس في منطقته “نجع حمّادي” أعواماً في رعب من جبروته وقسوة رجاله.
الصحفي المصري سامي كمال الدين، نجح في إجراء مقابلة مع “خُط الصعيد” قبل مقتله بفترة قصيرة، كتب في صحيفة “الأهرام” أن الخُط اعترف له بالأدلة والبراهين عن تورّط مسؤولين بأجهزة الأمن في أعماله الإجرامية، من خلال مشاركته في عقود صفقات شراء وبيع الأسلحة، وغض النظر عنه لزراعة الأفيون، بل وفي المتاجرة بالآثار، مضيفاً أنهم كانوا يسمحون له بإدارة بعض الحملات الانتخابية لبعض المرشحين، وفي فرض نفوذه لكسب عدد كبير من أصوات الناخبين بالترهيب والتهديد، وأنه بقوته كان قادراً على العبث بصناديق الاقتراع لصالح نائب معين. كما كشف له النقاب عن استعانة الشرطة به للقبض على الإرهابيين، الذين تسببوا في حادث الأقصر الشهير، بل ومساعدتها كذلك في تعقّب إرهابيين خطرين والوصول إليهم. وقد كتب الصحفي سامي أن أجهزة الأمن التي صنعت أسطورته في الأمس، هي من قامت بتصفيته في نهاية الأمر، حيثُ قدّم “الخُط” للصحفي سامي، قائمة بأسماء المتورطين في أجهزة الأمن معه، متسائلاً… هل يُحاكم المسؤولون الذين تورطوا معه في هذه الجرائم، أم أنه بمقتله أخذ معه الكثير من الأسرار، التي كان الوقت قد حان لكي تختفي إلى الأبد؟!.
ذكّرني مقتل “خُط الصعيد” بالنهايات المأساوية لبعض القادة والسياسيين في بعض دول العالم، الذين جعلوا أنفسهم أدوات طوعيّة في يد أميركا، يُراعون شؤونها، ويؤيدون سياساتها، وحين احترقت أوراقهم تخلصت منهم دون شفقة أو رحمة، مما يستوجب على المسؤولين الذين يلعبون بمقدرات أوطانهم، أن يدركوا أنهم ليسوا مُعافين من الضربات الغادرة، وأنه لا عقود مضمونة في الحياة مع دولة عظمى، مصالحها هي التي تحكم معايير علاقاتها مع الآخرين!.
لقد أدّى موت “خُط الصعيد” إلى فتح ملف قضايا الفساد من جديد داخل الأوساط الإعلامية، ففي منظمة الشفافية العالمية المعنية بالفساد ومقرها العاصمة الألمانية برلين، أظهرت أن الفساد مستشرٍ في أكثر من 71 دولة حول العالم بما فيها الولايات المتحدة الأميركية التي ارتفعت فيها نسبة الفساد، وأن أغلبية الدول العربية تتصدّر هذه القائمة، نتيجة لغياب الديمقراطية، وانعدام العدالة الاجتماعية، وتفشّي الفقر والأمية.
الفساد المالي والإداري صار “على عينك يا تاجر”، فنجده في أروقة الإدارات الحكومية، حيثُ أصبح الصغير يمد يده لتلقي رشوة مقابل تسيير معاملة، أو تطبيق قانون، وهذا يعود لأنه يرى المسؤول الكبير يسرق بالملايين دون أن يتعرّض للمساءلة القانونية، أو يُقال له من أين لك هذا، بما يعني أن “حاميها حراميها”! الفساد طال أيضاً مجال العمل، فلا مكان إلا لمن له قريب وزير، أو يكون ابن مسؤول بارز، وليس مهماً سنوات التحصيل الطويلة للمتخرّج التي ضيّع فيها عمره وجهده وماله، طالما “كرت” الواسطة هو صاحب الحلول السحرية، وفاتح الأبواب المغلقة!.
لقد عاد “خُط الصعيد” من العراق قبل اندلاع حرب الخليج الثانية، جاء ليجد أنه يقف في الجانب الخطأ، وأن الغنى والمجد لن يستطيع تحقيقهما إلا من خلال وضع يده في أيدي أصحاب النفوذ والسلطة، فشمَّر عن ساعديه، وأصبح عبداً مطيعاً، ولكن حني الرأس للأقوياء أدّى إلى كسرها في يوم عصيب، وما أكثر الرؤوس التي تحتاج إلى ليٍّ ولكن أوانها لم يأتِ بعد!!.