أيام في الدوحة
أيام في الدوحة
الجمعة 6/4/2007
هناك مدن عابرة سبيل، تمر مرور الكرام في الذاكرة، وهناك مدن تستحوذ على تفكير المرء، وتعلق رائحتها في أنفه، يسترجع تضاريسها بشوق وحب. الدوحة من المدن التي يأسرك كرم أهلها، وخفة ظلها، وقد مكثتُ في الدوحة عشرة أيام، بناء على دعوة جاءتني من مهرجان الدوحة الثقافي السادس، الذي يُشرف عليه المجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث.
منذ اللحظة الأولى التي خطوت فيها بقدمي أرض المطار، وأنا مشدودة إلى مظاهر التنمية العمرانية والثقافية السريعة التي تعيشها دولة قطر، والتي يلاحظها بسهولة كل من يطأ أرض الدوحة لأول مرة، أو ذلك الذي قَدِم إليها من قبل، ليجد الفارق الشاسع بين الأمس واليوم.
لفت انتباهي في المهرجان ذلك التنوّع الثقافي في فعاليات المهرجان، وأول مكان زرته كان القرية التراثيّة، التي تُبيِّن معالم الحياة القديمة في قطر. وقد استمتعتُ بالعروض الفولكلورية العالمية، حيثُ قدمت كل فرقة شيئاً من تراث بلدها، بجانب فرقة الرقص العالمية “إنانا” السورية التي أتحفتنا بعرض “جوليا دومنا” بفن راقٍ جميل. تجولتُ في قاعات الفن التشكيلي، وتأملتُ مئات اللوحات المتنوعة ما بين السريالي والتجريدي، بجانب الفن السابع الذي هو من الفنون المفضلة لدي، والتي تخصُّ فنانين قطريين وعرب من مختلف الدول العربية. استهواني معرض إكسسوارات الهجن الذي يضم مجسمات للهجن، حيث يُعتبر التراث الحقيقي لكافة المجتمعات الخليجية، مُصاحباً بعرض فوتوغرافي مصوّر، قام بتجسيده وبحرفية عالية، الفنان الشاب الموهوب خالد آل ثاني.
شدّت انتباهي على مدى ثلاثة أيام ندوة “الأدب والمنفى” التي تُعتبر في رأيي أهم ندوات المهرجان، من خلال شهادات قدّمها عدد من كبار الروائيين والشعراء والنقاد في العالم العربي.
استمتعتُ بالجلوس في المقهى الثقافي الذي كان يستضيف يوميّاً مبدعين من فنانين وشعراء وإعلاميين. انتشيتُ بالأمسيات الشعرية خاصة الشاعرة الجميلة ميسون القاسمي التي أتحفتنا بأمسية شعرية، يُصاحبها الموسيقار محمد حداد بعزف على البيانو. أمضيت بعض الوقت في التسكّع في سوق واقف الذي أعادت الدولة القطرية ترميمه من جديد بطابعه القديم، ليُصبح معلماً من معالم الدوحة، يحرص كل زائر على التجول في أزقته الضيقة التي تحمل عبق الماضي.
كان البرنامج حافلاً بعروض وأمسيات ونشاطات كثيرة، شعرتُ بأنني بين أهلي، وكم تمنيتُ لو سنحت لي الفرصة لزيارة مؤسسة قطر التعليمية التي سمعتُ الكثير عنها، وعن نشاطاتها المتميزة في تطوير النواحي التعليمية، وفي خلق روح الابتكار والتجديد عند الأجيال الجديدة.
رأيتُ الكثير، وقابلت مثقفين من كافة الدول العربية، أدباء وروائيين، اقرأ لهم ولم تسنح لي الفرصة لمقابلتهم، مثل الروائي واسيني الأعرج، والروائي إبراهيم الكوني، والكثير من النقّاد والشعراء الذين كانت أيام المهرجان فرصة سانحة لتبادل الأفكار معهم، حول القضايا المهمة التي تشغل بال الشارع العربي، وهو ما يؤكد وجهة نظري التي أرددها دوماً، بأن أهمية مثل هذه المهرجانات تكمن في هذا المناخ الثقافي النقي الذي يُعطي فرصة سانحة للاستماع إلى تجارب الآخرين عن قرب، وإلى توطيد عُرى التواصل بين المثقفين.
وأنا أودّع زملائي وزميلاتي من أدباء وإعلاميين، وأحيي المشرفين على المهرجان، لمجهوداتهم الرائعة في إنجاحه، شعرتُ بحزن يتسرّب لقلبي، ولا أدري إن كان هذا يعود لكرهي الدائم للحظات الوداع وما أكثرها في حياتي؟! أم لأننا كأفراد ننتمي لعالم الحرف، نشعر أحياناً بالألم حين نُفارق أناساً تآلفنا معهم، مما يجعلنا نحس بمرارة الفراق تقرص على أفئدتنا؟.!