انقراض وزارات الإعلام
انقراض وزارات الإعلام
الجمعة 17/2/2006
إذا أردت أن تعرف عمق حضارة أمة، فانظر إلى مساحة الحرية على أرضها، إلى قدرة أهلها في التعبير عن مطالبهم، إلى احترام الأنظمة لوجهات نظر شعوبها المتباينة، دون أن يتلفّت أفرادها خوفاً من أن يطالهم عقاب حاكم جائر، أو يدفعوا أثماناً باهظة مقابل الإدلاء بآرائهم فيما يخص قضايا أوطانهم·
الإعلام يُعتبر الأداة القوية في تحريك الرأي العام، وفي إيصال رسائل قوية إلى أقصى بلدان العالم، ومع التقدّم التكنولوجي، وانتشار الفضائيات، ازدادت سطوة الإعلام، كونه ينقل بالصوت والصورة ما يجري في بلدان العالم من شرقها لغربها، ومن شمالها لجنوبها، فاضحا الانتهاكات، مُظهراً التجاوزات·
حرية التعبير عبارة قصيرة، لكن مضامينها كبيرة إذا أجيز استخدامها، وحرية الإعلام في حقيقتها لا تعني التعدّي على حريات الآخرين بحجة الديمقراطية، بل هي حرية مسؤولة قبل كل شيء، هي كرامة قلم، وشرف فكر، ونزاهة موقف، وذود عن الحقوق، وتنديد بالجور· ومن هذا المنطلق، أجدني أرحب بما قامت به بعض البلدان العربية بشطب وزارات الإعلام، وهو ما اعتمده مؤخراً صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، بإلغاء عدة وزارات إضافة إلى قراره الجريء بالاستغناء عن وزارة الإعلام، آملة أن تحذو بقية الدول الخليجية والعربية هذا المنحى·
إنها خطوة تحسب للشيخ خليفة، مما يعني رفع سقف الحريات في بلد يُقر الجميع بأنه يقفز قفزات واسعة نحو تحقيق الكثير من الإنجازات الحضارية، ومزيد من الرفاهية الفكرية للشعب الإماراتي· مع هذا أريد أن أقول كلمة للتاريخ، في توجيه تحية لسمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية -ووزير الإعلام السابق- وأشد على يديه إعجاباً بما قدمه للإعلام الإماراتي إبان ترؤسه وزارة الإعلام· فمنذ أن التحقتُ بأسرة جريدة ”الاتحاد” الإماراتية لم يُحذف سطر من مقالاتي، بالرغم من جرأة طرح بعضها، مما يدل على أن هذا الرجل المتفتّح فكرياً، قد قام بنقلة جبّارة في إعطاء مساحة شاسعة لحرية التعبير، في مختلف وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة والمسموعة بدولة الإمارات·
للأسف ما زالت معظم الدول العربية، تعتبر الإعلام خصمها الأكبر، وتضع أمامه العراقيل، وتُقيم في وجهه ألف حاجز وحاجز، وترصد حوله ألف عين وعين، وتُلاحق ما تنشره الصحف، وما تبثه الإذاعة، وتطلقه القنوات التليفزيونية، متجاهلة أن الإعلام اليوم من الصعب كبح جماحه، وأن ما يتم منعه في الإعلام المحلي، يُسمع صداه سريعاً في الإعلام الغربي المفتوح على مصراعيه·
الإعلام صُنع لتهذيب العقول، ولترسيخ المفاهيم البناءة، ووسيلة مضمونة لإيصال الأفكار الصحيحة، والقضاء على المعتقدات الهدامة· من خلاله يمكن الكشف عن الحقائق المتوارية، خاصة مع تفاقم الفساد السياسي والمالي والإداري في الكثير من بلداننا العربية، مما يعني أن إلغاء الرقيب الإعلامي غدا أمرا حتميّاً، حتّى لا يتمادى الفاسدون من المسؤولين في اللعب بمقدرات بلادهم، والتأكيد ألا أحد فوق المحاسبة والقانون!.
إنها البداية لتطهير مجتمعاتنا العربية من الكثير من السلبيات التي عصفت بها عقودا طويلة· وقد آن الأوان لترتفع قيمة الإنسان العربي، الذي غدا من حقه أن يقول ”لا” عبر وسائل إعلامه، دون أن يضطر إلى تسريب مواقفه للصحف المهاجرة، أو الوقوف في صف طويل ينتظر الإذن لتقديم ورقة تظلّم، يحكي فيها تفاصيل قهره، والتي تظل راقدة في الأدراج، في انتظار عينين نظيفتين تقرآنها بعمق!.