التنقيب عن الخبايا!!
التنقيب عن الخبايا!!
الجمعة 27/10/ 2006
لفت انتباهي السجال الدائر حول مسلسل “السندريلا” عن قصة حياة الفنانة سعاد حسني، ومسلسل “العندليب” الذي يتناول المسار الفني للفنان عبدالحليم حافظ.
بلا شك كلا الفنانين أثريا الساحة الفنية من خلال ما قدماه من فن راق على مدى سنوات عمرهما. فسعاد حسني تركت خلفها سجلاً حافلاً من نجاحات سينمائية، فقد كانت فنانة شمولية ترقص وتغني بجانب أدائها البارع. وعبد الحليم حافظ ما زالت أغانيه يرددها الشباب على مختلف الأعمار بالرغم من مرور أكثر من ثلاثة عقود على موته، مما يؤكد أنه فنان قد سبق عصره.
فريق من الناس يرى بأن التعرّض لحياة الأموات من الفنانين فيه تجنٍّ عليهم، كونها في رأيهم ملكاً خالصاً لهم، وليس لأحد الحق في نبش ماضيهم، والتنقيب عن أسرارهم الشخصية. وهناك من يرى أن الفنان ملك لجمهوره الذي أحبه، متمسكاً بحقه في معرفة كل صغيرة وكبيرة عن حياته من الألف إلى الياء.
بعض أصدقاء الفنان عبد الحليم وسعاد من الذين عاصروهما، أظهروا امتعاضهم من بعض الأحداث التي تضمنها المسلسلان، وأن بعضها مغلوط، والبعض الآخر مبالغ فيه، ولكون الأموات كما يعرف الجميع لا ينطقون ولا يعودون، وما دامت لا توجد وثائق تدعم أو تدحض ما بُث على الشاشة، أصبح الغمز واللمز والتحريف في بعض الوقائع مباحاً.
وأنا أتابع التعليقات المتناثرة في عدد من الصحف والمجلات خطرت تساؤلات في فكري.. هل مجتمعاتنا التي تقوم على الازدواجية، وعلى ردود الأفعال العنيفة، يحق لها أن تقول ما لا يصح قوله، وتُجيز لنفسها تحريف تاريخ مشاهيرها لتُرضي ذائقة العامة؟! هل مجتمعاتنا مؤهلة لتقبّل سير حيوات فنانيها بكل زلاتها وهفواتها، على اعتبار أن أصحابها بشر في نهاية الأمر؟! والأهم من هذا وذاك، هل من حق أيٍ كان كشف عورة الفنان بعد أن وارى جسده الثرى، ولم يعد يملك الحيلة لتصديق أو تكذيب ما يتردد عنه؟!.
في أوروبا وأميركا هناك برامج حيّة على الهواء، تقوم بطرح ومعالجة مشاكل الكثير من الأسر بشفافية ووضوح أمام جمهور الحضور، وأمام آلاف المشاهدين في بيوتهم، وهي ثقافة مغروسة في بنية مجتمعاتهم منذ زمن بعيد، مما يجعلنا نُشكك في قدرة مجتمعاتنا على تقبّل هذا النوع من المصارحة التي ما زال يُنظر إليها بريبة وتحفّظ!!.
أتذكّر بان أحد الصحافيين العرب، سألني في حوار أجراه معي، إن كنتُ سأقوم يوماً ما، بنشر سيرتي الذاتية بكل تفاصيلها الدقيقة؟! راجعتُ سؤاله عدة مرات، وخرجت بإجابة مقنعة بأن من الصعب على الرجل أن يكشف عورته أمام الملأ، فكيف إذن الحال بالمرأة التي ما زال المجتمع العربي ينظر إليها نظرة قاسية لا رحمة فيها، ويعدّ عليها همساتها وسكناتها! صحيح أن الإنسان مجبول على الخير والشر، وفي أعماقه تربض الفضيلة والرذيلة، لكن الجوانب المعتمة في حياة الفرد لا تخصه وحده بل تخص أيضاً المحيطين به من أهل وأصدقاء، وهو ما دفع ورثة الكثير من الفنانين والمشاهير إلى رفع قضايا تشهير على كل من يتعرّض لسير حياة أقربائهم.
الحياة لا يمكن أن نحيا فيها لوحدنا في العراء، وإلا فإن الأثمان ستكون فادحة، وتركة حياتنا يحملها أولادنا من بعدنا، وهو ما يجعل الإنسان يفكّر ألف مرة قبل أن يُغامر بتعرية صدره ليتلقّى قذائف المجتمع وما أكثرها! !.