الشباب ووظيفة الرّحالة
الشباب ووظيفة الرّحالة
الجمعة 3/2/2006
أصبح مشهدا اعتياديا، ومنظرا مألوفا، رؤية الشاب وهو يتأبط ملف شهاداته، وعلامات القلق والتوتر بادية على محياه، يلف على قدميه بين المكاتب، وأروقة الدوائر، بحثا عن وظيفة تكفل له حياة كريمة، بعد أن نفض يديه من الوظيفة الحكومية، التي صارت حبالها طويلة، وتحتاج إلى نفس عميق، يضطر طالبها إلى المكوث سنوات عديدة ليأتيه قرار التعيين، حتّى غدا كثير من الناس يتندرون بالشاب العاطل، وأنه أصبح يُمارس غصبا لا طوعا مهنة الرّحالة، الذي يجوب القفار، ويطوف البلاد، ويقطع البحار، ليكتسب تجارب جديدة، ويطلّع على ثقافات الأمم الأخرى·
لم أندهش وأنا أقرأ التقرير الدولي الأخير الصادر عن الأمم المتحدة، الذي يقول بأن منطقة الشرق الأوسط قد سجلت أعلى معدّل بطالة في العالم، غير مستثنٍ البلدان الخليجية التي تنعت بالغنية، نتيجة لدخولها المرتفعة من عوائد البترول· البعض جحظت عيونهم، ورفعوا أصواتهم احتجاجا، صارخين·· إنها مؤامرة لتشويه سمعتنا· الجميع هنا يعيش متمرغا في خيرات أوطانه!! والبعض الآخر الذي ينظر لمنطقة الخليج على أنها رقعة ذهبية، علّق متعجّبا·· كيف لا تستطيع الدول الخليجية توفير وظائف لشبابها المتخرّج، وهي تجلس على آبار من الذهب الأسود!! لكنها الحقيقة المرة، فمع ضياع مبدأ العدالة الاجتماعية في معظم البلدان العربية، الذي يُعدُّ مشهدا مألوفا في المجتمعات المتحضرة، وتفشّي الفساد المالي والإداري، أصبح مطلبا ملحا وضع قانون للمساءلة، ووجوب محاربة الرشوة، وسرقة المال العام، واتخاذ إجراءات حازمة في حق كل من يستغل سلطته لبناء ثروته الشخصية، وتحقيق أطماعه الذاتية، كون القضاء على آفة الفساد سيفتح آفاقاً رحبة أمام جموع العاطلين·
لقد اطلعت بأحد مواقع الإنترنت، على مقال جميل عنوانه ”أحرجتنا يا بيل غيتس ”، تعليقا على قيام هذا الرجل بالتبرع بما يُقارب نصف ثروته على أعمال الخير· عددتُ في فكري العدد المهول لرجال الأعمال الكبار، وأصحاب الثروات في عالمنا العربي، الذين يضع جلّهم أذنا من طين وأذنا من عجين أمام مشكلة البطالة، والاستخفاف بها، وتقاعسهم عن الأخذ بأيدي الشباب المتخرّج، وتجاهلهم في فتح قنوات عمل جديدة لهم، مفضلين وضع حواجز إسمنتية تفصل بينهم وبين هموم مجتمعاتهم، مما أدّى تباعا إلى تفاقمها·
للأسف في الوقت الذي نجد فيه هذه الصور المخزية منتشرة في بلداننا العربية، نجد أن الكثير من المشاريع التعليمية والأبحاث العلمية الناجحة في أميركا وأوروبا، قامت بفضل تمويل رجال الأعمال والأثرياء لها، وأمثال ”بيل غيتس” كثيرون، وعندنا بالكاد يعدون على أصابع اليد الواحدة!!.
ليس هناك أصعب من أن تخيب آمال شاب رسم يوما طموحاته على كتبه المدرسية، وطاولة مذاكرته، وبنى في ليالي الجهد قصورا من الأماني، ليفاجأ بأنها جميعها كانت مجرد رمال وهمية في فكره، وأن كل طريق يخطوه في نهايته علامة استفهام كبرى·
الحل لا يحتاج لعصا سحرية، وإنما يحتاج أن تضع الحكومات العربية خططا تنموية سليمة لاحتواء الأعداد المتخرجة من الشباب، وهذا لن يكون إلا إذا تنامت روح المسؤولية، والنزاهة داخل كل مسؤول، بعد أن أخذ الضمير إجازة مفتوحة عند الكثير منهم·
إن الشاب سيتحول إلى قنبلة موقوتة إذا وجد الجميع يعطيه ظهورهم، مما سيؤدي إلى تفاقم انتكاساته داخل نفسه، فليس أصعب على المرء من أن ينزع بيديه نبتة أحلامه، قائلا بنبرة متأسية·· عليَّ وعلى أهلي الظالمين!!.