بناء كرامة الإنسان
بناء كرامة الإنسان
الجمعة 27/1/2006
العالم اليوم من شرقه لغربه، ومن شماله لجنوبه، يعيش صحوة جديدة، ترتكز على أحقية الإنسان في العيش بسلام على الأرض، يستنشق عبق الحرية دون أن يعترض امرؤ طريقه، يتبختر بدلال في دروب الحياة دون أن يوبخه أحد، يرفع منتشيا عقيرته بالغناء، مثل الطيور الطليقة التي تُغرّد فرحة بطلوع النهار وهي واقفة على الأغصان·
هذه الصحوة لم تتكوّن بين يوم وليلة، ولم تحدث عشوائيّا، بل بعد تاريخ حافل من المآسي والأوجاع تجرعتها البشرية منذ لحظة وجودهـا علـى الأرض·
الحياة مواعظ كما يُقال، ولا يمكن أن يعرف الإنسان معنى الألم إذا لم يحس بوخز الشوك في جلده· ولا يمكن أن يعرف معنى الجوع إذا لم يقرص الجوع معدته، ولا يمكن أن يُقدّر قيمة حريته، إذا لم يتجرّع كؤوس العبودية، ولا يمكن أن يُطالب بالسلام ويتطلع إلى نشر العدل، إذا لم يلسع وجدانه الظلم ويرى مدى انعدام العدالة داخل أوطانه·
بعد الحرب العالمية الثانية والتي ذهب ضحيتها الملايين من البشر، أخذت أوروبا على عاتقها تحويل العالم إلى بقعة سلام وأمن واستقرار لشعوبها، بعد أن ذاقت الأمرين من ويلات الحــروب، وقامت بتطوير مؤسساتها المدنية القائمة على العدالة الاجتماعية، وهــو ما أدى تباعــا إلى نشوء منظمـات وهيئات مستقلــة أخذت على عاتقها، الحفاظ على كرامــة الإنسان والذود عن حقوقــه·
بمناسبة العام الميلادي الجديد، أكد الرئيس الفرنسي جاك شيراك في خطابه للشعب الفرنسي، أنه سيتم إلغاء القانون المتعلّق بتدريس ماضي فرنسا الاستعماري، الذي يُلزم المدرسين بالتركيز على النقاط الإيجابية للاستعمار الفرنسي، خاصة تلك المتعلقة بشمال أفريقيا التي عانت عقودا طويلا من نير الاستعمار الفرنسي·
هذه الخطوة تعني أن فرنسا تريد طمر جراح الماضي، وأيضا يُعد اعترافا ضمنيّا منه بأن الاستعمار لم يدخل بلادنا من أجل تعليمنا التمدّن والتحضّر والمدنية كما كانت تتبجح به الدول المستعمرة، وإنما كانت جميعها حججا واهية لنهب ثرواتنا والهيمنة على أوطاننا·
للأسف على الرغم من أن العالم بأسره يتمسك بمبدأ المصارحة والشفافية، ويتطلّع لتحقيق المزيد من الرفاهية لشعوبه، ما زالت معظم الدول العربية تتخبط داخل ذاتها، لا تملك القدرة على إخراج رأسها من عنق الزجاجة الضيق الذي حبس أنفاسها سنوات لا تعد ولا تحصى· تُرى ألم يحن الوقت لتراجع هذه الدول تصرفاتها وتعرف مالها وما عليها؟! تُرى ألم يحن الوقت لتُلقي هذه الدول أوراقها على الطاولة أمام الجميع وتفرز الأوراق الرابحة من الخاسرة لشعوبها؟! تُرى ألم يحن الوقت لتنشر هذه الدول تاريخها دون تزوير، لتعرف الأجيال القادمة ماضيها وتتلمس أنجح الطرق لقيادة مستقبلها؟! تُرى ألم يحن الوقت لكي تُفسح هذه الدول المجال لشعوبها، لكي ترفع أصواتها وتقول كلماتها فيما يخص مصائرها؟!.
إن دفاترنا حافلة بضربات كثيرة قصمت ظهور شعوبها، وهو ما يجعل المطالبة بتغيير الكثير من الأمور السلبية أمرا حتميّا، وتعجيل الإصلاح أمرا واجبا، حتّى لا تقوم المنظمات والهيئات الدولية التي كرّست حياتها لخدمة البشرية، في نشر غسيل أوطاننا أمام الملأ لإجبارها على الانصياع لقراراتها، وتضطر في النهاية إلى الانصياع لأوامرها، مثل من يظل يقول ”لا” حتّى يلوحوا لها بعصا التأديب، فيستسلم على مضض!!.