كم نحن انفعاليون!!
كم نحن انفعاليون!!
الجمعة 26/5/2006
الأديب العربي مسكين، فهو مثل المنارة المشعة التي تُقام وسط محيط عميق غوره، إن فكّر في السباحة عكس التيار من الصعب أن يصل ناجيا إلى الشاطئ، حيث ستعترضه الحيتان المتمثلة في حكومات بلاده القمعية، أو تُعيقه أمواج أعراف وتقاليد مجتمعه العاتية، التي تظل تضربه من كافة الزوايا إلى أن تفقده توازنه وتغرقه في قاع اليم!! وإن نجا بصلابته وقوة احتماله فلابد أن يصل منهكاً، متعباً، ساقاه غير قادرتين على حمله إلى نهاية دربه. هذا للأسف حال الكاتب العربي الذي يحمل فكراً نظيفاً، وقلماً نزيهاً، سخّره لتشريح جسد مجتمعه، واستئصال الأورام السرطانية المنتشرة فيه.
أتابع في أغلب الأحيان، ردود الأفعال العنيفة من مجتمعاتنا العربية، على الكاتب العربي حين يكتب مقالاً يطرح فيه رؤى جديدة، أو ينتقد موروثاً اجتماعيّاً، أو يخرج في مقابلاته الصحفية أو التلفزيونية عن الخط التقليدي المتبع، أو ينشر كتاباً يخرج فيه عن المألوف، مما يجعل شريحة كبيرة في مجتمعه تفتح عليه النار من كافة الاتجاهات دون هوادة أو رحمة، أو حتّى مناقشة أطروحاته بأسلوب منطقي، والشد على يديه تأييداً حين يُحقق إنجازاً جميلاً.
مؤخراً، استضافتني قناة “العربية” في برنامج “إضاءات” الذي يُقدمه الزميل تركي الدخيل، وقد سألني إن كنتُ أتابع ما يُكتب عني في المنتديات على الإنترنت، مضيفاً أن هناك من يرى أنني نوال السعداوي السعودية، وما تعليقي على هذا القول الشائع؟! أجبته بأن نوال السعداوي تُعد رائدة في مجال تحرير المرأة والمطالبة بحقوقها، وأنه يُشرفني أن أكون نوال السعداوي السعودية.
الحقيقة فاجأني سيل الهجوم على حديثي، والتعرّض لشخصي، وتجريح مكانتي كأديبة دون التعليق بموضوعية على ما طرحته من قضايا، وكانت أعنف الردود تلك المنصبة في دفاعي عن الدكتورة نوال السعداوي، وأجزم بأن الذين هاجموني لم يقرؤوا كتاباً واحداً من كتبها، فأنا لا أستطيع إغفال بعض من إصدارات السعداوي القيمة مثل كتابها “المرأة والصراع النفسي” وكتاب “المرأة والجنس” اللذين توضح من خلالهما معاناة المرأة، وتُلقي فيهما الضوء على مشاكل النساء النفسية، من خلال تجربتها كطبيبة نفسية، ومطالبتها المرأة بأن تتحرر اقتصادياً من الرجل لكي تنال حقوقها الاجتماعية. ولا أستطيع إغفال كتابها “أوراق حياتي” الذي سطّرت فيه سيرتها الذاتية. مع هذا أنا ضد الكثير من آرائها الدينية المتطرفة، وقد تعرّضت لهذه الأفكار في عدد من مقالاتي، كوني تعودتُ في حياتي أن آخذ الجوانب المضيئة في حياة الإنسان ولا أبني حكمي على النواحي السلبية فقط..
التعليقات الجارحة آلمتني، لكن عدتُ لقناعتي التي أؤمن بها، في أنني ما دمتُ قد انتهجت هذا الدرب، فلابد أن أتوقع كافة الاحتمالات وردود الأفعال المتباينة، خاصة وأنني أنتمي لمجتمع ما زال يتخبّط في أعراف وتقاليد عفا عليها الزمن!! مع هذا أريد أن أكون أمينة، وأقر بأن هناك شريحة من القراء والمشاهدين الذين تابعوني، سواء من الطبقة المثقفة أو من الرأي العام، وافقوني فيما طرحته وحثوني على المضي قدماً.
لقد ظللتُ منذ أن أدركت معنى القلم وعشقت عالم الكتابة، أحترم ما أسطره، وألا أسير خلف ركب المصفقين، وهنا أتذكّر مقولة أحد الفلاسفة “الشجرة المثمرة هي التي تُرمى بالأحجار”، كل ما أريده أن أظل ثمرة تطرح النافع لمجتمعي العربي الذي هو هاجسي الأكبر، وسأترك التاريخ يُبرئ ذمتي يوماً ما.