من حقي أن أعيش
من حقي أن أعيش
الجمعة 6/5/2005
اخترع العلماء في أميركا تقنية جديدة، باستخدام ألعاب الفيديو لمعالجة الأشخاص الذين يُـعانون من صدمات نفسية حادة، وذلك بمساعدتهم تدريجيا على مواجهة خوفهم، باستعادة اللحظات المرعبة التي مروا بها، كون المواجهة من وجهة نظرهم، أهم وسيلة للعلاج بدلا من محاولة نسيانها. وقد بدأ العلماء تطبيق هذا النوع من العلاج، على الأفراد الذين كانوا داخل المباني التي ضربتها الطائرات في الحادي عشر من سبتمبر، حيث ما زال بعضهم يجفل من استرجاع المشاهد المأساوية التي رأوها بأم أعينهم.
بلا شك أن أميركا خلقت هولوكوستاً جديدا من وراء هذه الحادثة، وهذا لا يعني أنني أنظر باستخفاف إلى ما وقع لهم، فكل آلام البشرية في نهاية الأمر تصب في مجرى الحياة، لكن عندما أعقد مقارنة بين ما لحق بهم نتيجة هذه الواقعة، وبين ما تتجرعه شعوبنا العربية من مصائب، أجد كفتنا من ثقلها تكاد تُـلامس الأرض، فلا يُوجد شعب على وجه الأرض يُضاهي شعوبنا العربية في إطلاق الآهات. في مطلع كل يوم عندنا عروض سينمائية مرعبة، تُبث حية على شاشات التلفاز، من سيارات مفخخة، وأجساد ملغمة، وأرواح تزهق بالمئات، ولدينا أحدث التقنيات في خلق أجواء من التوتر، جميعها يتفنن في إخراجها أشخاص محددون، ويقوم بأداء أدوارها أبطال معينون، رافعين شعار الدين، ومتذرعين بحماية الأوطان!.
سألتُ نفسي وأنا أقرأ هذا الخبر… كم من السنوات يحتاج المواطن العربي ليطبب جراحه؟! كم من العقود يلزمنا لنعيد بناء شخصية سوية؟! ماذا عن الأطفال العرب، الذين تعودوا على استنشاق رائحة البارود؟! لقد ذكر المكتب الأقليمي لليونيسيف، أن الطفولة منتهكة في عالمنا العربي، وأن الأطفال يُرغمون على الاشتراك في النزاعات المسلحة، ويتم تسخيرهم في العمل بأجور زهيدة، ويُجبرون على القيام بأفعال خارجة عن القانون، مما يعني أن الجيل القادم آت، وهو متشرّب بالعنف منذ نعومة أظافره، ويحمل فوق ظهره قنابل موقوتة متمثلة في تفاقم البطالة والفقر؟!.
لا أحب أن أكتب بنظرة تشاؤمية، لكننا إذا لم نبدأ بترتيب بيتنا المتصدع، فلن ينجح أمهر الأطباء النفسانيين في حل عُقدة الفرد العربي، وتحريره من أشباح الخوف التي تظهر له ليلا كلما خلد إلى فراشه. إن قمة الهلع أن يتلفت الإنسان حائرا، لا يعرف أي الطريق يسلك! وقمة الجزع أن يدفن الفرد وجهه في سجل تاريخه، فيكتشف أن واقعه سوداوي، ومستقبله يحيطه الغموض، وأن قدميه غائرتان في تربة مغموسة بالدماء!.
أحيانا وأنا أدور على المعارض الفنية في الدول الأوروبية، أتفحّص خلسة الوجوه المتجمعة، وأتساءل: ألا يحق للإنسان العربي أن يعيش آمنا في وطنه؟! ألم يحن الوقت لأن ينفض غبار معاناته، ويتأمل جماليات الحياة من حوله كما يجري في الغرب! إن الحل للخروج من هذا النفق المظلم، يبدأ بترسيخ معالم الديمقراطية الحقيقية في عالمنا العربي، ورفع سقف الحريات، وأن يعمل الخبراء والعلماء العرب، على وضع منهج علمي اجتماعي متكامل، مهمته تنظيف عقول الأجيال الصاعدة من التلوّث الفكري المنتشر على أرضها، حتّى لا تُصبح مع مرور الوقت جزرا موبوءة، يتكالب العالم لرميها في أعماق المحيطات لحماية العالم من شرورها. والغريب أننا ما زلنا نؤكد أننا خير أمة أخرجت للناس، كأن القضية محصورة في ترديد العبارة دون احترام لمضامينها وتطبيق لأهدافها السماوية!.