الإعلاميون في قبضة القضاء
الإعلاميون في قبضة القضاء
الجمعة 30/9/2005
أصبح الكاتب أو الصحافي أو المراسل، أو الإعلامي بصفة عامة، مطارداً في كل مكان، موضوعاً تحت المجهر طوال الوقت، بحجة أنه يدسُّ أنفه فيما لا يعنيه، أو يقوم بالتشهير بأناس، لا يجب المساس بسمعتهم، أو الاقتراب من منطقة، محظور عليه النبش فيها، على الرغم من أن مهمة الإعلامي، إبراز القضايا المهمة، وتوضيح الحقائق أمام الرأي العام.
هذه المهنة، من الممكن أن نُطلق عليها اليوم “الخطر مهنتي”!! فعلى الرغم من أن مساحة حرية التعبير في بلداننا العربية، قد شهدت تقدماً طفيفاً في الآونة الأخيرة، إلا أن نسبة الإعلاميين الذين تعرضوا للقتل، أو فُرضت عقوبات مادية عليهم، أو أُخضعوا للمحاكمة، والتي أودت ببعضهم إلى السجن، قد ارتفعت!!.
الحكم الذي أصدره القضاء الأسباني منذ أيام، على مراسل “الجزيرة” تيسير علّوني، بحبسه لمدة سبع سنوات، للاشتباه بعلاقته بتنظيم “القاعدة”، بعد قيامه بإجراء مقابلة مع بن لادن، حرّك الكثير من التساؤلات في الأوساط الثقافية، عن الحدود الحمراء التي يجب أن يقف عندها الإعلامي في عمله!!.
نحن ما زلنا نردد عبر قنواتنا الفضائية، ومن خلال مقالاتنا، والندوات والمؤتمرات التي نُشارك فيها، وجوب استقلالية القضاء في عالمنا العربي، أسوة بالدول الغربية المتحضرة، حتّى نضمن لأجيالنا القادمة، مجتمعات ترفرف على مبانيها أعلام العدالة، وتؤمن بحق المساواة بين أفرادها. لكن يظهر أن الإرهاب الذي طال الجميع، وتجرّع الكل مرارته، وكان أقوى في تأثيره، من إعصار “كاترينا” المدمّر، دفع الدول الغربية إلى سن قوانين، ووضع تشريعات، أدت إلى تسييس القضاء، بحجة المحافظة على أمن وسلامة أهلها، وهو ما يطرح في أذهاننا سؤالا مهما.. هل فقد القضاء الغربي استقلاليته، أم أن توجسنا فيه الكثير من المبالغة؟!.
في الآونة الأخيرة، عبّر رئيس الوزراء البريطاني توني بلير عن غضبه، من تغطية مراسل الـ”بي بي سي” لإعصار “كاترينا”، واصفاً الأمر بأنه في مضمونه معادٍ لأميركا.
ردود الفعل الحاصلة هنا وهناك، جعلت الإعلاميين على اختلاف تخصصاتهم، يتلفتون حولهم خوفاً من أن يطالهم بطش القضاء، الذي أصبح يُهادن حكوماته، بحجة المحافظة على الأمن القومي والوطني.
من حق دول العالم أن تحمي مواطنيها بكل ما تملك، لكن أيضاً لابد من التمييز بين الحرية والتبعية. كما لا يجوز الخلط بين السعي إلى إرساء السلام، وبين خنق حريات التعبير!!.
إن المصيبة الكبرى التي ما زلنا نُعاني منها في مجتمعاتنا العربية، هي تبعية القضاء، بمعنى أن القضاة في معظم البقاع العربية، مغلولة أيديهم بسلطات بلادهم، حتّى أصبح اللجوء إلى القضاء، نوعاً من التندّر يُطلقه الناس، حين يسمعون أحدهم يقول.. سألجأ إلى القضاء ليأخذ لي حقي!! كون القضاة ليس بأيديهم الحل ولا الربط، إذا كانت المسألة ملتصقة بجهة حساسة، أو بمسؤول كبير.
مؤخراً، في دولة عربية، تملك تاريخاً عريقاً في سلك القضاء، تم تسريح عدد من قضاتها، والسبب أنهم طالبوا بحقهم في مراقبة نتائج الانتخابات الرئاسية، فكان جزاؤهم الطرد من ساحة القضاء.
الديمقراطية لن ترسو على أرض الواقع في مجتمعاتنا العربية، إلا إذا احترم القضاء، وهذا الاحترام لا يكون فقط برفع اليد تحية له، بل بالسعي إلى استقلاليته، وتطبيق أحكامه، دون التحيّز لأيٍ كان، لحظتها نستطيع أن نقول بكل ثقة.. لقد وضعنا أقدامنا على أعتاب الديمقراطية.