الحياة وصفعات الخيبة
الحياة وصفعات الخيبة
الجمعة 3/6/2005
كثيرا ما تخدعنا الحياة بنظراتها العذبة حتّى نأمن لها، ثم فجأة تّكشّر عن أنيابها وتظهر لنا وجهها القاسي، وتقوم في لحظة مباغتة بضربنا على رؤوسنا، وتلقينا من أعلى قممها. لحظتها نجد أنفسنا غارقين في الأحزان، وأعماقنا مليئة بالخيبة، نتيجة هذه المنغصات التي نتعرض لها بين فينة وأخرى، مما قد يدفعنا أحيانا إلى الانزواء، ننعي حظنا العاثر، ونبكي على العمر الذي يجري كالبرق، دون أن نحقق ما نصبو إليه من تطلعات وأحلام.
غرقت في هذه التأملات عندما قرأت ما قاله الأديب “بابلو كويليو” صاحب الرواية الرائعة “الخيميائي” في واحد من حواراته “… ذهبت للسجن ثلاث مرات… هذه الندبات تقول لي كلما نظرت إليها، ربما تكون مصابا بكل أخطاء الحياة، لكن خطأ واحدا لم يصبك، أنك لست جبانا..”. أحب دوما محاورة الجيل الصاعد من الشباب من الجنسين، حين تأتيني الفرصة عبر الإنترنت من خلال بريدي الالكتروني، أو من خلال تواجدي في الندوات الثقافية، كونهم يذكرونني بمرحلة جميلة مررت بها في حياتي، حينما كان الصخب والضجيج عاليا في أعماقي، والعين تبرق حماسا للمستقبل البعيد. لكنني أعترف بأن زماننا بالرغم من القيود الاجتماعية الصارمة التي كنّا نعيش فيها، كان أخف وأهون وطئا من زمانهم المكتظ بالفجوات والثغرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وارتفاع نبرة الزعيق الديني!. أقول للشباب، إن التغيير نحو الأفضل لن يتم إلا من خلالهم، حتّى لو كانوا يشعرون بأن واقعهم المرير لن يمكنهم بسهولة من تحقيق ما يصبون إليه، وحتّى لو كانت العقبات أمامهم كبيرة! يقولون في أمثالنا الشعبية بأن لحظات السعادة لا تدوم، كذلك أوقات الشقاء لا تستمر، وهو ما يعني أن يحوّل الإنسان لحظات يأسه إلى شعلة من الأمل، لتضيء له دربه المظلم. أن يتمسك المرء بحبال الغد حتّى لو كانت واهية، فبإرادته يستطيع أن يزيد من صلابتها، ليصعد بها إلى الذروة. كل البشر معرضون للسقوط، لكن الفرق بين شخص وآخر، أن أحدهما يقف لينفض الغبار عن ثوبه ويكمل الطريق لنهايته، والآخر يقعد مكانه ويولول ويصرخ، دون أن يُعاود الوقوف ويردم أوجاعه.
تعرضت على مراحل حياتي للكثير من المنغصات، وفي كل مرة أذرف الدمع الغزير، وأقرر رفع راية الاستسلام، لكنني عندما أضع رأسي على وسادتي في المساء، أسمع صوتا مجلجلا مغموسا بنبض الإرادة، ينبع من أعماقي يقول لي… هل أنت ضعيفة! هل ستلقين أسلحتك بسهولة! فأقوم من فراشي مقررة أن أطرد فشلي وأكرر المحاولة. أيقنت مع مرور الوقت بأن النجاح لن يأتي وأنا مغمضة عينيَّ، وأن تجاربي الكثيرة في الحياة على الرغم من قسوة بعضها، إلا أنها أثرتني في نهاية الأمر وجعلتني أكثر صلابة على تحمّل الضربات، وأن السقطات التي تعرضت لها، هي التي دفعتني اليوم إلى تحقيق وثبات من النجاح.
لا تقف طويلا عند صفحات حياتك السوداء، اقرأها بعمق، وخذ العِبر منها، ثم أقلبها، ستجد هناك صفحات بيضاء، من حقك أن تسجّل عليها أحلامك، وتدوّن فيها طموحاتك. إن النجاح يُقابله الفشل، ومن يتذوّق النجاح، ويتجرّع الفشل، قادر على أن يزرع غده بالرياحين، المهم الصمود والقدرة على المواجهة حتّى تصل لمبتغاك. وأن تردد دوما بينك وبين نفسك، الحياة أجمل من أن أبعثرها في البكاء على الأطلال وما أكثرها في حياتنا .